فصل: ثم دخلت سنة ثمان وأربعين وخمسمائة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **


 ثم دخلت سنه اربع وأربعين وخمسمائة

فمن الحوادث فيها‏:‏ أن الاسعار تراخت في مستهل المحرم وعاد الرخص وكثرت الخيرات وخرج أهل السواد إلى قراهـم ومـن ذلـك‏:‏ أن محمـود بـن زنكـي بـن آقسنقـر غـزا فقتـل ملك انطاكية واستولى على عسكر الافرنج وفتح كثيرًا من قلاعهم وفي يوم الأربعاء ثالث ربيع الآخر‏:‏ استوزر أبو المظفر يحيى بن محمد بن هبيرة ولقب عون الديـن وخلـع عليـه‏.‏

وفـي رجـب‏:‏ عاد ألبقش وجمع الجموع وقصد العراق وانضم اليه ملكشاه بن محمـود وطرنطـاي وعلـي بـن دبيـس واجتمـع معهـم خلـق كثيـر مـن التركمـان فلمـا بقـي بينهـم وبيـن بغداد ثلاثـة فراسـخ بعثـوا إلـى الخليفة يطلبون منه الخطبة لملك شاه فلم يجبهم وقويت الاراجيف ودون الخليفة وجمع العسكر وحفرت بقية الخندق وتقدم إلى أهل الجانب الغربي بالانتقال إلى الحريم ونـودي فـي الرصافـة وابـي حنيفـة ان لا يبقـى احـد فنقـل النـاس وبعـث أمير المؤمنين ابن العبادي إلى السلطان ونفذ بعده بالركابية يستحثه على المجيء ويعلمه انهم جاءوا لأجل الخطبة واني ما اجبتهـم للعهـد الـذي بينـي وبينـك فينبغـي ان تعجـل المجـيء فلـم يبـرح فبعث اليه عمه سنجر يعاتبه ويقول‏:‏ قد اخربـت البلـاد وقتلـت العبـاد فـي هـوى ابـن البلنكـري فينبغـي ان تنفـذ بـه وبوزيـره والجاولـي والا ما يكون جوابك غيري فلم يلتفت إلى ذلك فرحل سنجر إلى الري وبعث اليه يقول‏:‏ قد جئت اليك فلما علم بذلك سار اليه جريدة وعاد من عنده طيب القلب‏.‏

وجاء السلطان مسعود في ذي الحجة وخرج إليه الوزير ابن هبيرة وارباب الدولة وجلس لهم وطيـب قلوبهـم فرجعـوا مسروريـن وكـان البقـش قـد قبـض علـى ابـن دبيـس فأطلقـه فوصل ابن دبيس إلـى بغـداد ودخـل علـى السلطـان فرمـى نفسـه بيـن يديـه فعفـا عنـه وخلـع عليـه ورضي عن الطرنطاي ولم يِعلم البقش حتى دخل دار السلطنة فسلمت نفسه ولم ترد اليه ولاية‏.‏

وخرج في هذه السنة نظر الخادم بالحاج فلما بلغ الكوفة مرض فعاد ورتب قيماز الارجواني مكانه فلما وصل إلى بغداد توفي بعد ايام وفي يوم السبت غرة ذي الحجة وقت الضحى‏:‏ زلزلت الأرض زلزلة عظيمة فبقيت تموج نحوًا من عشر مرات وكانت زلزلـة بحلـوان تقطـع منهـا الجبـل وسـاخ فـي الـأرض وانهـدم الربـاط البهروزي وهلك عالم من التركمان وفىِهذه السنة‏:‏ اشتدت بالناس علة برسامية وسرسامية عمت الخلق فكانوا اذا مرضوا لا يتكلمون ولا يطول بهم الأمر‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

أحمد بن الحسن بن علي بن اسحاق الطوسي أبو نصر بن نظام الملك وزر للمسترشد والسلطان محمد وسمع الحديث ثم لزم منزله توفي في ذي الحجة من هذه أحمد بن محمد بن الحسين أبو بكر الأرجاني قاضي تستروارجان بلدة منها روى عن أبي بكر بن ماجه وله الشعر المستحسن يتضمـن المعاني الدقيقة وورد بغداد ومدح المستظهر بالله وله في قصيدة‏:‏

جعلت طليعتي طرفي سفاهـا ** تدل على مقاتلـي الخفايـا

وهـل يحمـى حريم من عدو ** اذا ما الجيش خانته الربايا

ولي نفـس إذا مـا امتـد شوقـًا ** أطار القلب من حرق شظايـا

ودمع ينصر الواشن ظلمًا ** فيظهر من سرائري الخفايا

ومحتكـم علـى العشـاق جورًا ** واين من الدمى عـدل القضايـا

يريـك بوجنتيـه الورد غضـًا ** ونور الأقحوان من الثنايـا

تأمل منـه تحـت الصـدغ خـالًا ** لتَعلم كم خبايا في الزوايا

خبطت نواله الممنوح حتى ** اثـرت به على نفسي البلايا

يؤرقّ مقلتي وجدًا وشوقًَا ** فأقلق مهجتي هجرًا ونايا

إذا انشدت فـي التعريـض بيتـًا ** تلـت مـن سـورة الاعـراض آيـا

ورب قطيعة جلبت وصالًا ** وكم في الحب من نكت خفايا

شكت وجـدي الـي فآنستنـي ** وبعض الانس في بعض الشكايا

فـلا ملـت معاتبتـي فانـي ** اعد عتابها احدى العطايا

وليلة اقبلت في القصر سكرى ** تهـادي بيـن أتـراب خفايـا

ثنينا السوء عن ذاك التثني ** وأثنينـا علـى تلـك الثنايا

وله من قصيدة‏:‏

ولما بلـوت النـاس اطلـب منهـم ** أخا ثقة عند اعتراض الشدائد

تطمعت في حالي رخاء وشدة ** وناديت في الأحياء هل من مساعد

فلم أر فيما ساءني غير شامت ** ولم أر فيما سرني غير حاسد

تمتعتمـا يا ناظـرىِ بنظرة ** واوردتما قلبي أمر الموارد

أعيني كفا عن فؤادي فانه ** من البغي سعي اثثين في قتل واحد

وله أيضًا‏:‏

ليست دموعي لنار الشوق مطفئة ** وكيف والماء باد والحريق خفي

لم أنس يوم رحيل الحي موقفنا ** والعيس تطلع اولاها على شرف

والعين من لفتة الغيران ما حظيت ** والدمع من رقبة الواشين لم يكف

وفي الحدوج الغوادي كـل آنسـة ** ان ينكشف سجفها للشمس تنكسف

في ذمـة اللـه ذاك الركـب انهـم ** ساررا وفيهم حياة المغرم الدنف

فان اعش بعدهم فردًا فيا كجبًا ** وان امت هكذا وجدا فيا أسفي

توفي القاضي أبو بكر بتستر في هذه السنة‏.‏

عبدالله بن عبد الباقي أبو بكر الفقيه ابنَ التبان كان من أهل القران سمع من أبي الحسين بن الطيوري وتفقه على ابن عقيل وناظر وافتـى ودرس وكان أميًا لا يكتب‏.‏

وتوفي في شوال عن تسعين سنة ودفن بباب حرب‏.‏

عبد الغني بن محمد بن سعد بن محمد أبو البركات الحنبلي سمع أبا الغنائم ابن النرسي وابن نبهان وابن عقيل وغيرهم ولم يزل يسمع معنا إلى ان مات وكان قارئًا مجودًا حسن التلاوة وشهد عند ابي القاسم الزينبي وتوفي في زمان كهولته يوم الأربعاء ثالث عشر شوال ودفن بباب حرب‏.‏

عيسى بن هبة الله بن عيسى أبو عبد الله النقاش ولـد سنة سبع وخمسين وأربعمائة وكان بغداديًا ظريفًا مؤانسًا لطيفًا خفيف الروح كثير النوادر رقيـق الشعـر قـد رأى النـاس وعاشـر الظراف وسمع أبا القاسم ابن البسري وأبا الحسين علي بن محمد الأنباري الخطيب وغيرهما وكان يحضر مجلسي كثيرًا ويكاتبني وكتبت اليه يومًا رقعة خاطبته فيها بنوع احترام فكتب إلي‏:‏

قد زدتني فـي الخطـاب حتـى ** خشيت نقصًا من الزيادة

فاجعل خطابي خطاب مثلـي ** ولا تغير علي عادهْ

وله أيضًا‏:‏

يامـن تبدل بي وأمكنه ** مالـي وحقـك عنـك من بدل

ان كنـت حلـت فانني رجل ** عـن عهـد ودك قـط لم احل

لهفـي علـى طمع اصبت به ** في عنفوان شبيبـة الأمـل

إِذا وجد الشيخ في نفسه ** نشاطًا فذلك موت خفي

ألسـت تـرى ان ضـوء السـراج ** لـه لهـب قبـل ان ينطفي

توفي في جمادى الآخرة من هذه السنة ودفن عند مقبرة باب حرب‏.‏

نظر بن عبد اللّه الجيوشي أبو الحسن الخادم سمع الحديث من ابي الخطاب بن النظر وغيره بافادة مؤدبه شيخنا أبي الحسن ابن الزاغوني وحـج سبعـًا وعشريـن حجـة كـان فـي نيـف وعشريـن منهـا أميـرًا قال المصنف‏:‏ فحججت معه سنة احدى وأربعين ومعي شيء من سماعه فأردت أن اقرأه عليه فرأيت ما يأخذ به الناس من الطـرح علـى الحماليـن والظلـم فلـم أكلمـه وخـرج بالنـاس إلـى الحـج فـي سنة اربع وأربعين مريضًا فلما وصل إلى الكوفة زاد مرضه فسلمهم إلى قيماز ورجع إلى بغداد فتوفي ليلة الثلاثاء الحادي والعشرين من ذي القعدة ودفن بالترب في الرصافة وفي تلك السنة طمع العرب في الحاج فأخذوهم بين مكة والمدينة على ما نذكره في الحوادث‏.‏

 ثم دخلت خمس وأربعين وخمسمائة

من الحوادث فيها انه في المحرم جلس يوسف الدمشقي مدرسًا في النظامية من جانب الأعاجم والقى الدرس واجتمـع لـه الفقهاء والخلق الكثير ولم يكن ذلك عن اذن الخليفة وكان ميل الخليفة إلى ابن النظام فلما كان يوم الجمعة منع يوسف من الدخول إلى الجامع وإلى دار الخلافة وضربت جماعة من اصحابه بالخشب وصلى الجمعة في جامع السلطان ولم يعد إلى المدرسة والزم بيته‏.‏

وفـي يوم السبت سابع عشرين المحرم‏:‏ جلس أبو النجيب للتدريس في النظامية يتقدم السلطان مسعود فإنه مضى إلى مدرسته وصلى وراءه الصبح وتقدم إليه بالتدريس في النظامية فقال له‏:‏ أريد إذن الخليفة فاستخرج له إذن الخليفة‏.‏

وزادت دجلة فبلغ الماء إلى باب المدرسة ومنع الجواز من طريق الرباط ودخلت السفن الرقة وقـد ذكرنـا ان الخـادم نظرًا لما حج خرج بالحاج مريضًا فعاد وسلمهم إلى قيماز فلما وصلوا إلى مكة طمـع أميـر مكـة فـي الحـاج واستـزرى بقيمـاز فطمعـت العـرب ووقفـت فـي الطريـق وبعثـوا يطلبـون رسومهم فقال قيماز للحاج‏:‏ المصلحة ان تعطوهم ونستكفي شرهم فامتنـع الحـاج مـن ذلـك فقال لهم‏:‏ فإذا لم تفعلوا فلا تزوروا السنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستغاثوا عليه وقالـوا‏:‏ نمضـي إلـى سنجـر فنشكـو منـك وكانـوا قـد وصلـوا إلـى الغرابـي فخرجـت عليهـم العرب بعد العصر يوم السبت رابـع عشـر المحـرم فقاتلوهـم فكثـرت العـرب فاخـذوا مـن الثيـاب والامـوال والاجمال والأحمال ما لا يحصى واخذوا من الدنانير ألوفًا كثيرة فتحدث جماعة من التجار أنه أخذ من هذا عشرة آلاف ومن هذا عشرون ألفًا ومن هذا ثلاثون ألفًا وأخـذ مـن خاتـون اخت مسعود ما قيمته مائة ألف دينار وتقطع الناس وهربوا على اقدامهم يمشون في البرية فماتوا من الجوع والعطش والعري وقيل‏:‏ ان النساء طين أجسامهن بالطين لستـر العـورة ومـا وصل قيماز إلى المدينة إلا في نفر قليل‏.‏

وجاء في هذه السنة باليمن مطر كله حتى صارت الأرض مرشوشة بالدم وبقي أثره بثياب الناس‏.‏ومرض ابن البلنكري وهو خاص السلطان مسعود فلما عوفي اسقط المكوس وكان المكاس ببغداد يلقب مختص الحضرة وكان يبالغ في أذى الناس وأخذ اموالهم ويقول‏:‏ أنا قد فرشت حصيرًا في جهنم فمرض ومات في ربيع الآخر من هذه السنة‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

إسماعيل بن محمد بن عبد الوهاب بن الحسن أبو الفتح القزاز ابن زريق سمع من ثابت وابن العلاف وغيرهما وتوفي يوم الأربعاء النصف من ربيع الاول ودفن بباب حرب الحسن بن ذي النون بن أبي القاسم بن أبي الحسن الشغري أبو المفاخر بن أبي بكر من أهل نيسابور سمع الحديث من أبي بكر الشيروي وغيره وكان فقيهًا أديبًا دائم التشاغل بالعلـم لا يكـاد يفتـر وكـان يقـول‏:‏ إِذا لـم تعـد الشـيء خمسيـن مرة لم يستقر ورد بغداد واقام بها مدة يعـظ فـي جامـع القصـر وغيره واظهر السنة وذم الاشاعرة وبالغ وقد ذكرت في الحوادث ما جرى له وكان هو السبب في اخراج أبي الفتوح الاسفرائيني من بغداد ومال إليه الحنابلة لما فعل وحدثني ابو الحسن البراندسي انه خلا به فصرح له بخلق القرآن وبان بأنه كان يميل إلى رأي المعتزلة بعد أن كان يظهر ذمهم ثم فتر سوقه وخرج من بغداد فتوفي بقريـة ايذاجرد في جمادى الأولى من هذه السنة‏.‏

انشدنا الحسن بن أبي بكر النيسابوريَ‏:‏

أهـوى عليـا وايمـان محبتـه ** كم مشرك دمه من سيفه

وكفا ان كنت ويحك لم تسمع مناقبه ** فاسمع مناقبه من هل اتى وكفا

مات الكرام ومروا وانقضوا ومضوا ** ومات من بعدهم تلك الكرامات

وخلفونـىِ فـي قـوم ذوي سفـه ** لو أبصروا طيف ضيف في الكرى ماتوا

صافي بن عبد اللّه أبو سعيد الجمالي عتيق أبي عبد الله بن جردة سمـع ابـا علي ابن البناء وقرأ عليه القرآن وقرأت عليه الحديث بحق سماعه من أبي علي البناء وكـان شيخًا مليح الشيبة ملازمًا للصلوات في جماعة وكان شيخنا أبو الفضل ابن ناصر يقول‏:‏ ان صافي كان غلامًا آخر لابن جردة فأخبر بذلك فحضر يومًا في دار شيخنا أبي منصور الجواليقـي وكنـت حاضـر او كنـا يومئـذ نسمـع غريـب الحديـث لأبـي عبيـد على الاشياخ أبي منصور وأبي الفضل وسعد الخير فقال لشيخنا أبي الفضل‏:‏ سمعتك أنك تقول ان هذه الاجزاء ليست سماعـي وأنـه كـان لسيـدي غلـام آخـر اسمـه صافـي وما كان هذا قط وأنا أذكر أبا علي ابن البناء وقـد قـرأت عليـه ولسـت ممـن يشتهي الرواية مشغوف بها فأدعي سماع ما لم اسمع فبان للجماعة صدقه واعتذر إليه أبو الفضل بن ناصر ورجع عما كان يقوله توفي صافي في ربيع الأول من هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب عبد الملك بن أي نضر بن عمر من أهل جيلان تفقه على اسعد الميهني وسمع الحديث وكان فقيهًا صالحًا دينًا خيرًا عاملًا بعلمه كثير التعبد ليس له بيت يسكنه يبيت في أي مكان اتفق كان يأوي في المساجد في الخرابات التي على شاطىء دجلة حج في هذه السنة فأغارت العرب على الحاج فانصرف

واقام بفيد فتوفي بها في هذه السنة وكان جماعة الفيديين يثنون عليه ويصفونه بالتورع والزهد‏.‏

 ثم دخلت سنة ست وأربعين وخمسمائة

فمن الحوادث فيها أنـه انفجـر بثـق النهروانـات بتوفـر الزيـادة فـي تأمـرا‏.‏وفـي جمـادى الآخـرة‏:‏ قطعـت يد رجل متفقه يقال له شجاع الدين كان يتخادم للفقهاء والوعاظ ظهرت عليه عملات فقطع وفي رمضان‏:‏ دخل السلطان مسعود إلى بغداد فمضى اليه الوزير ابن هبيرة وارباب الدولة فأكرمهـم فعـادوا شاكرين وسأل ابن العبادي ان يجلس في جامع المنصور فقيل له‏:‏ لا تفعل فان الجانـب الغربي لا يمكنون إلا الحنابلة فلم يقبل فضمن له نقيب النقباء واستاذ الدار وخلق كثيرا الحماية فجلس يوم الجمعة خامس ذي الحجة في الرواق وحض النقيبان واستاذ الدار وخلق كثير فلما شرع في الكلام أخذته الصيحات من الجوا نب ونفر الناس وضربوا بالآجر فتفرق الناس منهزمين كل قوم يطلبون جهه وأخذت عمائم الناس وفوطهم وجذبت السيـوف حولـه وتجلد وثبت وسكن الناس وتكلم ساعة ونزل وأرباب الدولة يحفظونه حتى انحدر وقد طار لبه‏.‏

 ذكرمن توفي ذي هذه السنة من الأكابر

محمد بن محمد ابن أحمد بن الحسن المذاري أبوالمعالي بن أبي طاهر ولـد سنـة اثنتيـن وستيـن وسمـع ابـا القاسـم ابـن البسـري وابا علي ابن البناء وغيرهما وكان سماعه صحيحًا وقرأت عليه كثيرًا من حديثه وسئل عن نسبه إلى المذار فقال‏:‏ كان أبي سافر إليها واقام بها مدة ثم رجع فقيل المذاري ومذار قرية تحت البصرة قريبة من عبادان توفي عشية الأربعاء الثامن والعشرين من جمادى هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب الحسن بن محمد بن الحسين أبو علي الراذاني ولد بأوانا وسكن بغداد وسمع الحديث من أبي الحسين ابن الطيوري وغيره وكان يسمع معنا علـي ابـن ناصـر إلـى أن مـات وتفقـه علـى أبي سعد المخرمي ووعظ مدة وتوفي فجأة وكان قد تـزوج امـرأة ابـي المعالـي المكـي وعزم تلك الليلة أن يدخل بها فدخل إلى بيته ليتوضأ لصلاة الظهر فقـاء فمـات وذلـك فـي يـوم الأربعـاء رابـع صفـر هذه السنة ودفن بمقبرة باب حرب إلى جانب ابن سمعون‏.‏

علي بن دبيس توفي في هذه السنة عن قولنج أصابه فاتهم طبيبه محمد بن صالح بانه يظن في أمره فمات الطبيب عن قريب عبد الرحمن بن محمد بن علي أبو محمد الحلواني تفقه وناظر وكان يتجر في الخل ويقنع به ولا يقبل من أحد شيئًا توفي في ربيع الأول من هذه السنة ودفن في داره بالمأمونية‏.‏

 ثم دخلت سنة سبع وأربعين وخمسمائة

فمن الحوادث فيها أنـه فـي تاسـع المحـرم بـاض ديـك لرجـل يعـرف بابن عامر بيضة وباض بازي لعلي بن حماد بيضتين وباضت نعامة لا ذكر معها بيضة ذكر ذلك أبو العباس الماندائي القاضي‏.‏

وفي هذه السنة من الحوادث‏:‏ أن يعقوب الخطاط توفي برباط بهروز وكانت له غرفـة فـي النظامية فحضر الذي ينوب في التركات وختموا على غرفته في المدرسة فخاصمهم الفقهاء وضربوهـم واخـذوا التركـة وهـذه عادتهم في الحشريين فمضوا شاكين فقبض حاجب الباب على رجليـن مـن الفقهـاء وعاقبهـم ببـاب النوبـي وحملهمـا حمل اللصوص فأغلق الفقهاء المدرسة واخرجـوا كرسي الوعاظ فرموه رسط الطريق فلما كانت عشية تلك الليلة صعد الفقهاء سطح المدرسـة واستغاثـوا وأسـاءوا الـأدب فـي استغاثتهـم وكان المدرس ابو النجيب يومئذ فجاء فرمى نفسه تحت التاج في اليوم الثاني واعتذر وكشف رأسه فقيل له‏:‏ قد عفي عنك فامض إلى بيتك والزم زاويتك وهرب الفقهاء إلى دار الملك وتبعهم فبقوا أيامًا فبعث شحنة بغداد وهو المسمى بمسعود بلال مع ابي النجيب وجمع اصحابه فرجع هو والفقهاء إلى المدرسة بغير إذن أميـر المؤمنيـن فجلـس ودرس ووعظ وتكلم بالكلمات بالعجمية لا يعرفها إلا اعجمي فلما كان يوم الخميس سابع رجب وصلت الاخبار بموت السلطان مسعود وأنه مات بباب همذان فعقد العسكر السلطنة لملكشاه بن محمد فقام بأمره خاصبك ثم ان خاصبك قبض على ملكشـاه وخاطـب أخـاه محمـدًا وهو بخوزستان فلما وصل إلى همذان سلم السلطنة اليه وكانت مكاتبته حيلـة ليحصلـه فعلـم فقتـل خاصبـك ولمـا ورد موت السلطان اختلط الناس وهرب مسعود الشحنة إلى تكريت فظفروا بخيله أو بعض سلاحه ونادى الخليفة انه من تخلف من الجند ولم يحضر الديـوان ليكتـب اسمـه ويجـرى علـى عادتـه فـي اقطاعـه ابيـح دمـه ومالـه وقعد الوزير للعزاء في بيت النوبة ونفد استاد الدار يومئذ ومعه من ينقض فنقضوا دار تتر التي على المسناة وتقدم إلـى ابـن النظـام ان يمضـي إلى المدرسة ليدرس بها فمضى في موكب وقبض على ابي النجيب وحمـل إلـى الديـوان وأهيـن وحبـس وقبـض على الحيص بيص الشاعر وأخذ من بيته حافيًا ماشيًا مهانـًا وحمـل إلـى حبـس اللصـوص وقصـد مـن كـان لـه تعلـق بالعسكر ثم اخرج ابو النجيب إلى باب النوبـي فاقيـم علـى الدكـة الظاهـرة بيـن اثنيـن وكشـف رأسـه وضرب بالدرة خمس مرات تولى ذلك غلام الحسبة بتقدم واعيد إلى حبس الجرائم وذلك في آخر رجب‏.‏

فـي يـوم السبـت‏:‏ أخـذ البديـع صاحب ابي النجيب وكان متصوفًا يعظ الناس فحمل إلى الديوان واخذ من عنده الواح من طين فيها قبل وعليها مكتوب اسمـاء الائمـة الاثنـا عشـر فاتهمـوه بالرفـض فشهـر ببـاب النوبـي وكشـف رأسـه وأدب والـزم بيتـه‏.‏

وكان مهلهل قد ضمن الحلة في كل سنـة بتسعيـن الف دينار فأقبل السلار كرد الى الحلة فهرب مهلهل إلى مشهد علي عليه السلام فكتـب سلـار كـرد إلـى مسعـود الشحنـة وهـو فـي تكريـت فلحـق بـه فلمـا اجتمعـا قبـض مسعود على سلـار فغرقـه فجهـز اميـر المؤمنيـن العساكـر وكانـوا ثلاثـة آلـاف ومن تبعهم فعبروا وضربوا تحت الرقة فـي تاسـع عشـر شعبـان وقـدم كرسـاوج مـن همـذان فتلقـي بالموكب وخلع عليه واعطي الشحنكية وخـرخ الوزيـر ابـن هبيـرة فـي سابع عشرين شعبان فسار معه العسكر إلى الحلة فسبقت مقدمته فانهزم الشحنة فعادوا يبشرون الوزير وقد كان تهيأ للقتال فعاد الوزير وبلغ امير المؤمنين تخبيط بواسط فأخرج سرادقه فضربه تحـت الرقـة واخـرج الكوسـات وكانـت أحـدًا وعشريـن حمـلا وبعددها الاعلام‏.‏

وخـرج يـوم الإثنيـن الحـادي والعشريـن مـن شـوال علـى ساعتيـن مـن النهـار فـي سفينة وولي العهد في سفينـة والوزيرفـي سفينـة والخـدم فـي سفـن ولـم يتمكـن احـد مـن العوام ان يركب في سفينة فوقف النـاس ينظـرون مـن جانبـي دجلة ووقف الناس وصعد من السفينة وارباب الدولة بين يديه فظهر للناس ظهورا بينًا وأشار إلى اصحابه ان لا يضربوا احدا بمقرعة فركب وولي العهد وسارا والناس متسابقين بين ايديهما حتى نزلا السرادق ثم رحل إلى أن نزل بواسـط فهـرب اولـاد الطرنطـاي وأعـاد خطلبـرس إلى الشحنكية بواسط ثم مضى إلى الحلة والكوفة وعاد إلى بغداد ثم خطب لولي العهد يوم الجمعة غرة ذي الحجة من هذه السنة فعاد التعليق وعلقت القباب فعمـل الذهبيـون قبـة علـى بـاب الخـان العتيق عليها صورة مسعود وخاصبك وعباس وغيرهم من الامراء بحركات تدور وعلق ابن المرخم قبة فيها خيل تدور وعليها فرسان بحركات وعلقت بنـت قـاروت ببـاب درب المطبـخ قبـة فيهـا صـورة السلطان وعلى رأسه شمسة وعلق ترشك قبة على سطح داره على تماثيل صور اتراك يرمون بالنشاب وعلق ابن مكي الاحدب قبة عليها جماعة من الحدب وعلق جعفر الرقاص بباب الغربة قبة عليها مشاهرات فاكهة اترج ونارنج ورمـان وثيـاب ديبـاج وغيـر ذلـك واقـام السـودان الكلالـة فـوق القبـة يغنون ويرقصون وعمل اهل باب الـازج حذاء المنظرة اربعة أرحي تدور وتطحن الدقيق لا يدرى كيف دورانها وعمل الملاحون سميرية تسير على عجل وانطلق الناس في اللعب وبقي التعليق إلى يوم العيد‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

سلار كرد أمير كبير قد ذكرنا كيف هلك محمد بن إسماعيل محمد بن إسماعيل بن احمد بن عبد الملك أبوعبد الله بن أبي سعد بن أبي صالح المؤذن‏:‏ ولد بنيسابور في سنة ثمانين وهو من بيت العلم والحديث وسمع الحديث الكثير وقدم إلى بغداد رسولًا من صاحب كرمان في سنة ست وقدم رسولًا إلى السلطان في سنة أربع وأربعين وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة بكرمان‏.‏

محمد بن إسماعيل بن احمد بن عبد الملك أبوعبد الله بن أبي سعد بن أبي صالح المؤذن‏:‏ محمد بن عمر بن يوسف الأرموي أبو الفضل بن أبي حفص‏.‏

مـن أهـل ارميـة ولـد سنـة تسـع وخمسيـن وسمـع من ابي جعفر ابن المسلمة وابي الغنائم ابن المأمون وابي الحسين ابن المهتـدي وابـي بكـر الخيـاط وابـي نصـر الزينبـي وابـن النقـور وابـي القاسـم ابـن البسـري وغيرهم وروى لنا عنهم وسمعت منه بقراءة شيخنا ابن ناصر وقرأت عليه كثيرًا من حديثه وكـان سماعـه صحيحـًا وكـان فقيهـًا علـى مذهـب الشافعـي رضـي اللـة عنه تفقه على ابي اسحاق الشيرازي وكان ثقة دينًا كثير التلاوة للقرآن وكان شاهدا فعزل وتوفي في رجب هذه السنة ودفن مقابل التاجية باب أبرز محمد بن محمد بن محمد أبو بكرالخُلْمي من أهل بلخ ولد سنة خمس وسبعين‏.‏

وسمع الحديث الكثير وكان امامًا مفتيًا مناظرًا حسن الاخلـاق متقدمـًا علـى اصحـاب ابـي حنيفـة وأملي بجامع بلخ وتوفي بها في شعبان هذه السنة ودفن في داره‏.‏

محمد بن منصور بن ابراهيم أبو بكر القصري سمع من ثابت بن بندار وأبي طاهر بن سوار وغيرهما وحدث بشيء يسير وقرأ القرآن بالقراآت وأقرأ وكان حافظًا مجودًا خيرًا وكان يطالع تفسير النقاش ويذكر منه رأيت له دكة على هيئة المنبر من آجر بجامع المنصور يجلس عليها بعد الجمعة فيسأل عن آيات فيفسرها وكانت له شيبة طويلة تعبر سرته وتوفي في ليلة الجمعة سابع شعبان ودفن بمقبرة باب حرب محمد بن هبة اللّه أبو عبد الله بن الوزير أبي المعالي محمد بن هبة اللّه بن محمد بن علي بن المطلب الكرماني أبو عبد الله بن الوزير أبي المعالي‏:‏ سمع ثابتًا وابا غالب البقال وابن نبهان وابن ثابت وغيرهم وحدث ببعض مسموعاته وكان ظاهر الكياسة حسن الاخلاق وتوفي ليلة الجمعة رابع عشرين المحرم ودفن في مقابر قريش

المظفر بن أردشير أبو منصور العبادي ولد سنة احدى وتسعين وأربعمائة وسمع من أبي بكر الشيروي وزاهر الشحامي وغيرهما ودخل بغداد فأملى الحديث ووعظ بالجامع والنظامية وكانت له فصاحة وحسن عبارة وكان يومـًا جالسـًا فـي جامـع القصـر فوقـع المطـر فلجـأ الجماعـة إلـى ظـل العقـود والجـدران فقال لا تفرقوا من رشاش ماء رحمة قطر عن متن سحاب نعمة ولكن فروا من شرار نـار اقتـدح مـن زنـاد الغضب ثم قال‏:‏ ما لكم لا تعجبون ما لكم لا تطربون فقال له قاثل‏:‏ ‏{‏وترى الجبال تحسبها جامدة‏}‏ الآية فقال‏:‏ التماسك عن المرح عند تملك الفرح قدح في القدس فقام شاعر يمدحه فأجلـس فقـال الشاعـر‏:‏ قـد كـان حسـان يبسطـه رسـول اللـه صلـى اللـه عليـه وسلـم فـي المسجد فقال الشيخ‏:‏ كان حسان شاعرًا ولم يكن مستبيحًا عِرْضًا ولا مستمنحًا عَرَضًا وكان مثل هذا الكلام المستحسن يبدر في كلامه وانما كان الغالب على كلامه ما ليس تحته طائل ولا كثير معنى وكتب ما قاله في مدة جلوسه فكان مجلدات كثيرة فترى المجلد من اوله إلى آخره ليس فيـه خمـس كلمـات كمـا ينبغـي ولا معنـى لـه وكان يترسل بين السلطان والخليفة فتقدم إليه أن يصلح بيـن ملكشـاه بـن محمـود بـن محمـد وبيـن بدر الحويزي فمضى فأصلح بينهما وحصل له منهما مال‏.‏

فأدركه اجله في تلك البلدة فجاء الخبر بأنه مات يوم الإثنين سلخ ربيع الآخر من هذه السنة بعسكـر مكـرم ثـم حمـل إلـى بغـداد فدفـن فـي دكـة الجنيـد بالشونيزيـة وكـان جامعًا للمال فلم يحظ به بل كان له ولد فتوفي بعده بأشهر وعاد المال إلى السلطان وفي ذلك عبرة لمن اعتبر المبارك بن هبة الله بن سلمان أبو المعالي الصباغ ابن سكرة سمـع الحديـث الكثيـر وكـان يبيع البقالة ثم تركها ووعظ توفي في ربيع الآخر من هذه السنة و دفن في داره في المقتدية مسعود السلطان ابن محمد بن ملكشاه جـرت لـه أحـوال عجيبـة قـد ذكرناهـا فـي حـوادث السنيـن وآل الامـر إلـى أن خـرج المسترشد بالله إلى محاربتـه فأسـر المسترشـد ورأى مسعـود مـن التمكيـن مـا لـم يـره ابنـاء جنسه وقدم فبايع المقتفي لأمر اللـه وتحكـم وكتـب لـه شيخنـا أبـو بكـر بن عبد الباقي جزءًا من حديثه فسمعه عليه فكان اقوام يسمعون على السلطان عن شيخنا‏.‏

توفـي يـوم الأربعـاء سلخ جمادى الآخرة من هذه السنة ودفن نصف الليل وفي صبيحة الخميس ولي مكانه ملكشاه وأذعن له الامراء وزم الامور ابن البلنكري كان غاية في حسن الخط وجودته فتوفي في جمادى الآخرة برباط بهروز‏.‏

 ثم دخلت سنة ثمان وأربعين وخمسمائة

فمن الحوادث فيها أنه وصل الخبر في محرم أن سنجر كسرته الغز واستولوا على عسكره وملكوا بلخ وفيها‏:‏ نفذ ترشك المقتفوي في خمسمائة فارس وفيهم قسيم الدولة ونجاح الخادم لحصار قلعة تكريت ثم نفـذ أبـو البـدر ظفـر الوزيـر ابـن عـون الديـن الوزيـر فجـرى بينه وبين ترشك نفور في الرتبة واراد أن يكـون ترشـك بحكمـه وتحت امره فلم يفعل فبعث ابن الوزير يشكو منه فقيل انهم قالوا له اقبض عليـه فأحـس وقيـل بـل نفـذوا اليـه ان يقـال وكـان قـد جـرى بينه وبين استاذ الدار خصومة فكبسوا بيتـه وأهانـوه وحبسـوه اشهرًا فخشي ان يفعل به كذلك فكَاتب صاحب القلعة وهو مسعود بلال الشحنـة انـي اريد أن اقبض على الذين معي واسلمهم اليك فقال له اذا فعلت ذلك فعلت معك ما تشكرني عليه فقال للمعسكر اركبوا وخلا بابن الوزير ونجاح ويرنقش فقبض عليهم وسلمهم إلى صاحب القلعة واخذ سلاحهم وخيلهم وكان قد نفذ الوزير خمسين حملا عليها اقامـة

فوصلت يومٍ القبض فأخذها فخلع صاحب القلعة عليه الخلعة التي نفذها له السلطان واعطاه فرسـا ومركـب ذهـب وطوق ذهب واضاف اليه عسكرًا وأمره وانضاف اليه تركمان وخرج معه مسعـود بلـال فقصـد طريـق خراسـان ونهبـوا وخرج المقتفي لدفعهما فهربا من بين يديه واتم المقتفي إلى تكريت فشاهدها واقام عليها يومًا ثم انصرف ثم برز السرادق للانحدار الى واسط لدفع ملكشاه عنها فانهزم ملكشاه من واسط قاصدًا خوزستان ووصل الخليفة إلـى ظاهـر واسـط فأقـام ايامـًا ثـم رجـع إلـى بغـداد‏.‏

وفـي عبـور الخليفـة مـن الجانـب الغربـي إلـى داره سلـم الوزير من الغرق لان السفينة التي كان فيها انقطعت نصفين وغاصوا في الماء إلى حلوقهم واستنقذهم الملاحون فأعطى الوزير الملاح الذي استنقفه ثيابه ووقع له بمال وفي شوال‏:‏ أخذت البصرة وانهزم من كان بها من اصحاب ملكشاه وفي سابع عشرين منه‏:‏ دخل سبع بالليل عروب واسط واجتاز على الدار التي يسكنها صاحب البطيحة ومضى إلى بستان فقتله الرجالة‏.‏

 ذكرمن توفي في هذه السنة من الأكابر

أحمد بن أبي غالب الوراق أبو العباس ولد بعد الستين وأربعمائة وقرأ القرآن وسمع شيئًا قريبًا من الحديث واشتغل بالتعبد وكان ملازمـًا للمسجـد يتعبـد فيـه ليلًا ونهارًا وكان قد انطوى من التعبد حتىكان إذا قام فرأسه عند ركبتـه وتوفي يوم الإثنين حادي عشرين رمضان من هذه السنة ودفن إلى جانب الحسين ابن سمعون بمقبرة باب حرب خاصبك التركماني صبـي مـن التركمـان نفق على السلطان مسعود فقدمه على جميع الامراء وصار له من المال ما لا يحصى فلما مات مسعود خطب لملكشاه ثم قال له‏:‏ اني اريد اقبض عليك وانفذ إلى اخيك محمـد فأخبـره بذلـك ليأتي فأسلمه اليك وتكون انت السلطان فقال‏:‏ افعل فقبض عليه ونفذ إلى محمـد إلـى خوزستـان باننـي قـد قبضـت علـى اخيـك فتعـال حتـى اخطـب لـك واسلـم اليك السلطنة فعـرف محمـد خبيئتـه فجـاء إلـى همـذان فجـاء النـاس يخاطبونـه فـي أشيـاء فقال‏:‏ ما لكم معي كلام وانمـا خطابكم مع خاصبك ومهما اشار به فهو الوالد والصاحب والكل تحت امره فوصل هذا الكلـام إلـى خاصبـك فسكـن بعض السكون ثم التقيا فخدمه خاصبك وحمل اليه حملًا كثيرًا من خيل ومال فأخذ المال وقتل خاصبك ووجد له تركة عظيمة في جملتها سبعون ألف ثوب أطلس و كان ذلك في هذه السنة وقتل مع خاصبك زنكي الخازندار‏.‏

أبو محمد الاندلسي ولد ببلاد الاندلس وهو من بيت العلم والوزارة وصرف عمره في طلب العلم وولي القضاء بالاندلس مدة ثم دخل مصر والاسكندرية وجاور بمكة ثم قدم العراق فأقام ببغداد مدة ثم وافي خراسان فأقام بنيسابور وبلخ وكان غزير العلم في الحديث والفقه والادب‏.‏

وتوفي بهراة في شعبان هذه السنة‏.‏

عبد الخالق بن أحمد أبو الفرج بن أبي الحسين بن أبي بكر بن أبي القاسم عبـد الخالـق بـن أحمـد بـن عبـد القـادر بـن محمـد بن يوسف أبو الفرج بن أبي الحسين بن أبي بكر بن أبي القاسم ولد سنة اربع وستين وسمع أبا نصر الزينبي وطرادا وعاصمًا وابن النظر وغيرهم

وكان من المكثريـن سماعًا وكتابة وله فهم وضبط ومعرفة بالنقل وهو من بيت النقل قرأت عليه كثيرًا من حديثه وتوفي يوم الإثنين ثالث عشر المحرم ودفن بمقابر الشهداء من باب حرب

عبد الملك بن عبد الله بن أبي سهل أبو الفتح بن أبي القاسم الكروخي وكـروخ بلـدة علـى عشـرة فراسـخ مـن هراة ولد في ربيع الأول سنة اثنتين وستين وأربعمائة بهراة وسمع من جماعة وورد إلى بغداد فسمعنا منه جامع الترمذي ومناقب أحمد بن حنبل وغير ذلك وكان خيرًا صالحًا صدوقًا مقبلًا على نفسه ومرض ببغداد فبعث إليه بعض من يسمع عليـه شيئـًا مـن الذهـب فقال‏:‏ بعد السبعين واقتراب الأجل اخذ على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا فرده إليه مع حاجته وكان يكتب نسخًا بجامع الترمذي ويبيعها فيتقوت بها وكتب به نسخة فوقفها وخرج إلى مكة فجاور بها وتوفي بها في ذي الحجة من هذه السنة بعد رحيل الحاج بثلاثة ايام‏.‏

الفضل بن سهل الحليي الاثير سمع الحديث وكان قد قرىء عليه كثير من تصانيف الخطيب باجازته عنه وكانـوا يتهمونـه بالكـذب فحكـى شيـخ الشيـوخ إسماعيل بـن أبـي سعـد الصوفـي قـال‏:‏ كـان عندي الشيخ أبو محمد المقـرىء فدخـل الأثيـر الحلبـي فجعـل يثنـي علـى أبـي محمـد وقـال‏:‏ من فضائله أن رجلًا أعطاني مالَاَ فجئت به إليه فلم يقبله فلما قام قال أبو محمد‏:‏ والله ما جاءني بشيء ولا أدري ما يقول والحمد لله الذي لم يقل عنده وديعة لأحد توفي الاثير في رجب هذه السنة‏.‏

أبو تمام التكريتي شيخ رباط الزوزني المقابل لجامع المنصور سمع الحديث وكان كثير التلاوة دائم الذكر قليل الكلام وتوفي في شوال هذه السنة ودفن إلى جانب شيخه أبي الوفاء على باب الرباط‏.‏

محمد بن محمد بن عبد الله بن أبي سهل أبو طاهر من أهل مرو سمع الكثير وكان كثير التلاوة وكتب وكانت له معرفة بالحديـث وكـان حافظـًا لكتـاب اللـة كثيـر التلـاوهَ دائـم الذكر والتهجـد دينـًا عفيفًا وكان يلى الخطالة بمرو وتوفي في شوال هذه السنة ودفن بمرو محمود بن الحسين بن بندار أبو نجيحِ بن أبي الرجاء الأصبهاني الطلحي الواعظ سمع الحديث على ابن الحصين وغيره وقال الشعر توفي في هذه السنة‏.‏

 ثم دخلت سنة تسع وأربعين وخمسمائة

أنه نفذ إلى تكريت بسبب الأسارى فقبضوا على الرسول فنفذ الخليفة عسكرًا إلى تكريت فخرج أهل تكريت فمنعوهم الدخول إلى البلد فخرج أمير المؤمنين يوم الجمعة غرة صفر فنزل على البلد فهرب أهله فدخل العسكر البلد فشعثوه ونهبوا ونزل من القلعة جماعة من الفريقين ونصبت ثلاثة عشر منجنيقًا على القلعة ووقع من سورها ابراج وبعث صاحب الموصل يسأل فيهم ويشير عليهم باعادة الأسراء فلم يقبلوا وهبت ليلة الأربعاء ثالث عشر ربيع الأول بعد العشاء ريح مظلمة وظهر فيها نار خـاف الناس أن تكون القيامة وأثارت من التراب ما يزيد على الحد فتقطع سرادق الخليفة وأشـرف أميـر المؤمنين يوم الأربعاء الخامس عشرى‏.‏

من ربيع الأول على القلعة ووقع القتال بين يديـه فقتـل جماعـة فسـاء لـه ذلـك ورأى الزمـان يطـول فـي أخذهـا فرحـل عنها ودخل بغداد في آخر هـذا الشهـر ثم تقدم إلى الوزير بعوده إلى حصارها واستعداد آلة كثيرة مما يحتاج اليه في فتح القلاع فخرج يوم الإثنين سابع ربيع الأخر ونادى من تخلف بعد ثلاث ابيح ماله ودمه وجيء بالأمراء وعرض العسكر وكانوا ستة آلاف فارس فنزلوا إلى القلعة وانصرف إلى القلعة بثلثمائة ألـف دينـار سـوى الاقامـة فانهـا كانـت تزيـد على الفكر فقرب فتحها فوصل الخبر بأن مسعود بلال جـاء إلـى شهرابان في عسكر عظيم ومعه ألبقش ونهب الناس فاستدعى الوزير للخروج اليهما

وكانا قد حثا السلطان محمدًا على قصد العراق فلم يتهيأ له فاستأذناه في التقدم امامه فأذن لهمـا فجمعـا جمعـًا كثيـرًا من التركمان ونزلا بطريق خراسان فخرج الخليفة اليهما فنفذ مسعود من اخـرج ارسلـان شـاه بـن طغـرل مـن قلعة تكريت وكان محبوسًا بها وجعلوا القتال عليه ليكون اسم الملك جامعًا للعسكر وتلازم العسكران على نهر بكمزا فعبر الخليفة اليهم فتلازموا ثمانية عشر يومًا وتحصن التركمان بالخركاهات والمواشي ويقال‏:‏ انهم كانوا اثني عشر الف بيت من التركمان ثـم بـرزوا للقتـال آخـر يـوم مـن رجب فكانت الوقعة فانهزمت ميسرة العسكر الخليفي وبعض القلب وكان بازائهم مسعود الخادم وترشك حتى بلغت الهزيمة إلى باب بغداد وثبت الخليفة وضربوا على خزانته وقتل خازنه يحيى بن يوسـف ابـن الجزري فلما رأى العسكر الميسرة قد انهزمت ضعفت قلوبهم فجاء منكوبرس وكان فارسـًا شديـد البـأس ومعـه هويـذان فنـزلا عـن الخيـل وقبـلا الـأرض بيـن يـدي أمير المؤمنين وقالوا‏:‏ يا مولانـا تثبـت علينـا ساعـة حتـى نحمـل بيـن يديك فاذا رأيناك قويت قلوبنا فقال‏:‏ لا واللهّ الا معكما فرفع الطرحة عن رأسه وجذب السيف ولبس الحديد هو وولي العهد وبكرا وصاح أمير المؤمنين‏:‏ يـال مضـر كـذب الشيطـان وفـر وقَـرأ‏:‏ ‏{‏ورد اللّـه الذيـن كفـروا بغيظهـم لـم ينالـوا خيـرًا‏}‏ الآيـة‏.‏ وحمل وحمل العسكر بحملته فوقع السيف في العدو وسمع صوت السيوف على الحديد كوقع المطارق على السنادين وانهزم القوم وتم الظفر وسبي التركمان واخذت اموالهم من الابل والبقر والغنم ما لا يحصى وقيل كانت الغنم اربعمائة الف رأس فبيع كل كبش بدانـق لكثرتها ونودي‏:‏ من كان اخذ من اولاد التركمان او نسائهـم فليـرد ذلـك فـردوا فأخـذ البقـش الملك وهرب إلى بلده وطلب مسعود وتوشك القلعة ودخل الخليفة إلى بغداد في غرة شعبان‏.‏

ووصل الخبر في العشرين من شعبان‏:‏ بأن مسعودًا وترشك قصدا واسط ونهبوا ما يختص بالوزيـر فتقدم إلى الوزير بالخروج فخرج ومعه العسكر في خامس عشرين شعبان فانهزم العدو فلحقهم ونهب منهم رحلًا كثيرًا وعاد فدخل الوزير على الخليفة فشرفه بقميص وعمامة ولقَبه سلطان العراق ملك الجيوش‏.‏

وخـرج العسكـر فـي عيـد الفطـر علـى زي لـم يرمثله لاجتماع العساكر وكثرة الامراء وكان العيد يوم الخميـس فلمـا جـاءت العشيـة جـاء مطر وفيه رعد وبرق وبرد تزلزلت الأرض لصوته وخر الناس علـى وجوههـم مـن شـدة الرعـب ووقعـت منـه صواعق فوقع بعضها في التاج الذي بناه المسترشد فطـار شرارهـا إلـى الرقـة وبقيـت النـار تعمـل ايامـًا فأحرقـت آلـات كثيرة ثم اتصلت الاخبار بمجيء العساكـر صحبـة محمـد شـاه وبانفـاذه إلـى عسكـر الموصـل يستنجدهـم والـي تكريت إلى مسعود بلال فأخـرج الخليفـة سرادقـه واستعـرض الوزيـر العسكـر فـي شـوال فكانوا يزيدون على اثني عشر الف وجاء الخبر أن ألبقش قد مات وبعث محمد شاه إلى الامراء الخلع وقال‏:‏ عودوا السنة إلى مواطنكـم فلـي السنـة عـذر والبرد شديد وكان السبب ان محمدًا كان قد بعث إلى مسعود بلال في نوبة ألبقش يقول له خذ معك من القلعة بعض الملوك الذين عندك وخذوا بغداد ليهابكم النـاس وليعلـم ان معكم ملك إلى حين وصولي فأخذ ابن امرأة ألدكز وكانت امه مع ألدكز فنفذ ألدكـز ألفي فارس وقال لهم‏:‏ كونوا في خددة الملك واحفظواه فلما وقعت الكسرة وانهزم ألبقش أخـذ الصـي فحملـه إلـى قلعتـه فلمـا سمع محمد شاه ذلك بعث اليه يقول له سر الي واستصحب الملـك فمـات البقـش وبقـي الصبـي مع ابن البقش وحسن الجاندار فحملوه إلى الجبل فخاف محمد شاه ان يصل الصبي إلى ألدكز فتتغير الامور فاعتذر إلى العسكر فهرب من يده جماعة من خواصه وجاءوا إلى الخليفة واتصل الصبي بزوج امه ألدكز وأمن الناس لتفرق العساكر‏.‏

وفـي هـذا الشهر‏:‏ وكل بالغزنوي لأجل قرية كانت في يده فلما كان سلخ ذي الحجة نفذ الخليفة عسكرًا إلى ناحية همذان ومتقدمهم قيماز السلطاني في الفي فارس‏.‏

وفي هذه السنة اتصلت الاخبار باختلاف مصر والساحل وهلاك خليفتهما وولي عهده والجند وانـه لـم يبق ثم الا صبي صغير فكتب المقتفي لامر الله عهدا لنور الدين بن زنكي وولاه مصر واعمالها والساحل وبعث اليه الخليفة المراكب والتحف وامره بالمسير اليها‏.‏

وحـدث فـي هـذه السنـة فـي دجلـة زيـادة واحمـرار الماء لم يعهد في ذلك الوقت وحدث في هذه السنة في دجلة في عدة نواحي بلاد واسط ظهور دم من الأرض لا يعلم له سبب‏.‏ووصلـت أخبـار سنجـر أنه تحت الاسر موكل به في خيمة يجرى له كل يوم مالًا يجوز أن يجرى لسائـس فـي سياستـه وانـه يبكـي علـى نفسـه‏.‏وفيهـا توفـي ابـو الفتـوح أستاذ الدار فولي أبنه محمد مكانه وقتلت جارية امرأة سيدها فأخرجت الجارية إلى الرحبة وقتلها زوج المرأة بحضرة الناس كما يقتل الرجال‏.‏

 ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

البقش صاحب الحرب المذكورة مات في رمضان وتصرف في ولايته قيماز السلطاني‏.‏

عبد اللّه بن هبة الله بن المظفر ابن رئيس الرؤساء أبو الفتوح كان يلي استاذية الدار وله صدقات وأعطية ومجلسه للفقراء والمتصوفة وانفق عليهم كثيرًا ولما احتضـر احضـر غرمـاءه والمتظلميـن عليـه فوفاهـم ووصـى اولاده ببقايا عليه توفي في هذه السنة

عبد الرحمن بن عبد الصمد بن أحمد بن علي أبو القاسم ابن الأكاف من أهل نيسابور سمع أبا سعد الحيري وأبا بكر الشروي وغيرهما وتفقه وناظر وكان إمامًا ورعًا عالمًا عاملًا غزير الديانة مقبلًا على نفسه قنوعـًا بالكفـاف غيـر معتـرض لمـا لا يعنيـه وأوصى إلى قريب له ليفرق ماله إلى الفقراء ففرقه وكان فيه مسك فلما أراد تفرقته سد أنفه وقال‏:‏ إنما ينتفع بريحه وهـذا مما روينا عن عمر بن عبد العزيز انه اتي بطيب من بيت المال فأمسك على انفه وقال‏:‏ إنما ينتفع بريحه ولما استولى الغز على نيسابور قبضوا عليه واخرجوه ليعاقبوه فشفع فيـه السلطان سنجر وقال‏:‏ كنت امضي إليه متبركًا به ولم يمكني من الدخول عليه فاتركوه لأجلي فتركوه فدخل شهرستان وهو مريض فبقي أيامًا وتوفي في هذه السنة ودفن بالحيرة عند ابيه علي بن محمد بن أبي عمر البزاز ثم الدباس أبو الحسن يعـرف ابوه بالباقلاوي ولد سنة سبعين وسمع أبا محمد التميمي وطرادا وابن النظر وأبا ايوب وغيرهم وتأدب بابن عقيل وكان سماعه صحيحًا وقرأت عليه كثيرأ من مسموعاته وكان من

علي بن محمد أبو الحسن ابن الأبري كـان حـدادًا فقدمـه المقتفـي وقربـه ووكلـه وبنـى مدرسـة ببـاب الـازج توفـي في شعبان هذه السنة ودفن بداره برحبة الجامع ثم اخرج بعد مدة المبارك بن أحمد بن دليم الخزرجي الانصارىِ أبو المعمر المبارك بن أحمد بن عبد العزيز بن المعمر بن الحسن بن العباس بن محمد بن عبد الرحمن بن إسماعيل بـن عبـد العزيـز بـن عبـد الرحمـن بـن إسماعيل بـن عبد الملك بن عبد العزيز بن سعيد بن سعد بن عبادة بن دليم الخزرجي الانصارىِ أبو المعمر ولد سنة خمس وسبعين وأربعمائة وسمع الكثيـر وقـرأت عليـه الكثيـر وكـان لـه فهـم وعلـم بالحديث وتوفي في رمضان هذه السنة ودفن بالشونيزية‏.‏

المظفر بن علي بن محمد بن محمد بن جهير أبو نصر من بيت الوزارة وزير وجده وزير وكان استاذ الدار ثم وزر للمقتفي سمع الحديث وحدث وحج وتوفي يوم الخميس سادس ذي الحجة وصلي عليه بجامع القصر ودفن مقابـل جامـع المنصور قريبا من الرباط‏.‏